القطاع الفلاحي بالمغرب : فلاحة عصرية رأسمالية تبعية وفلاحة معيشية متخلفة وسيادة غذائية مفقودة

 مميزات القطاع الفلاحي بالمغرب
 فلاحة عصرية رأسمالية تبعية وفلاحة معيشية متخلفة وسيادة غذائية مفقودة

هندوف عبد الرحيم 

الفلاحة بالمغرب

مقدمة
لعبت الفلاحة المغربية عبر العصور ولا زالت  دورا بارزا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وبيئيا. ففي السنوات الممطرة يعم الاستقرار وينتعش الاقتصاد وفي السنوات العجاف تكون المجاعة وتنتشرالاوبئة التي تفتك بمئات الآلاف, وتندلع التوترات الاجتماعية والانتفاضات."أن تحكم المغرب يعني أن تُسْقِطَ المطر". بهذه المقولة الشهيرة، لخّص المقيم الفرنسي الثاني  في المغرب تيودور ستيك (وليس  الماريشال ليوطي كما يشاع) "مفتاح الحكم والتحكم في البلد، هو تساقط الأمطار" فلا استقرار بدون مطر، إن أهمية المطر والفلاحة  كضامن لاستمرارية الحكم في البلاد، هو الذي يفسر اهتمام مختلف السيسات الرسمية  بهذا القطاع سواء خلال فترة الحماية أو بعدها.
لكن رغم كل ماوضع من استراتيجيات ومخططات مازال اقتصاد البلد  يعتمد كثيراً على الفلاحة التي تقوم على ما تجود به السماء من أمطار, ولم  تستطع الفلاحة كنشاط اقتصادي  أن تلبي حاجيات المغرب من المواد الغذائية و تحقيق السيادة الغذائية وأن  تقضي عل مظاهر الفقر وسوء التنمية الاجتماعية في البادية المغربية. كيف ذلك ولماذا؟ ذلك ما سنحاول الإجابة عنه في هذه المقالة المركزة

فلاحيتين الأولى رأسمالية عصرية والثانية معيشية متخلفة
بعد مرور أكثر من قرن على دخول الاستعمار والرأسمالية إلى المغرب وبعد  أكثر من  60سنة على حصول المغرب على الاستقلال السياسي  ما زال القطاع الفلاحي ببلادنا ينقسم إلى فلاحتين الأولى رأسمالية عصرية تتمركز في المناطق السقوية أساسا وموجهة نحو التصدير والمنتوجات ذات القيمة المضافة المرتفعة ويمارسها الفلاحون الكبار والمتوسطون والثانية معيشية عائلية متخلفة تتمركز خصوصا في المناطق البورية وتعتمد على زراعة الحبوب أساسا وتربية المواشي وذات مردودية ضعيفة يمارسها  الفلاحون الصغار والكادحون الذين يشكلون  غالبية الفلاحين, وهذا التقسيم بدأ خلال الفترة الاستعمارية واستمر بعد الاستقلال السياسي للمغرب إلى يومنا هذا, وبطبيعة الحال فإن الفلاحة العصرية الرأسمالية هي التي تستفيد من القروض والدعم المالي وأراضي الدولة.
ونلمس هذا بوضوح من خلال المخطط الأخضر الذي خصص مبلغ 115 مليار درهم كاستثمار بالنسبة للفلاحة الرأسمالية العصرية (الدعامة الأولى) و25 مليار درهم  فقط للفلاحة المعيشية(الدعامة الثانية) 
  
إنتاج فلاحي ضعيف  واقتصاد هش مرتبط بالتساقطات المطرية

تشكل الزراعة أهم نشاط إقتصادي  في الأرياف إذ تشغل 74.%..من الساكنة النشيطة بالبادية. و35 % من مجموع السكان النشيطين ، ورغم ذلك فالزراعة لا تساهم إلا بنسبة تتراوح ما بين  11 و15 % من  الناتج الداخلي الخام. وكل هذه الأرقام  مؤشرات على تخلف تطور الرأسمالية والإقتصاد المغربي إذ لم تستطع القطاعات الأخرى أي الصناعة والخدمات استقطاب مآت الآلاف من اليد العاملة القروية الفائضة بسبب تخلف الفلاحة وضعف مردوديتها. إن الدول الرأسمالية في أوروبا كانت تعرف أوضاعا مماثلة خلال القرن 19 لكنها اليوم  لا يتعدى عدد سكانها في الارياف 20% ونسبة العاملين في الزراعة تقدر ب2 إلى 3 % من مجموع السكان النشيطين، والزراعة لا تساهم بأكثر من 2%.من الناتج الداخلي الخام.
إن النظام الرأسمالي التبعي بالمغرب لم يستطع تطوير لا الفلاحة ولا القطاعات الأخرى, فظل اقتصاده هشا نسبة نموه مرتيطة بالتساقطات المطرية.
 اوضاع عقارية معقدة ومتخلفة  وتوزيع للأراضي غير عادل
تتميز البنيات العقارية في القطاع الفلاحي بتعدد الأنظمة القانونية للأراضي وتعقيدها وتوزيع غير عادل للأرض كما يبين ذلك الجدولين رقم 1 و2 أدناه
الجدول رقم 1  توزيع الأراضي القابلة للزراعة حسب الأنظمة القانونية مختلف
النظام القانوني
المساحة
النسبة المئوية
الملك الخاص
6 608 966
75,85
السلالية
1 534 654
17,61
ملك الدولة الخاص
270 001
3,1
كيش الأوداية
240 441
2,76
الأحباس
58 843
0,68
المجموع
8 712 905,00
100
المصدر : الإحصاء العام للفلاحة 1996

يتضح من خلال هذا الجدول أن  20 % من المساحة القابلة للزراعة هي جماعية (سلالية أو كيش الأوداية) وتتحكم فيها وزارة الداخلية, الشيئ الذي يحول دون استغلالها بشكل مناسب من طرف ذوي الحقوق وخاصة النساء اللوات لا يعترف بهن ضمن ذوي الحقوق. وفي العدبد من الحالات يتم الاستحواد على هذه الأراضي من طرف شركات رأسمالبة كبرى في إطار صفقات مع وزارة الداخلية مقابل بعض التعويضات الهزيلة لفائدة ذوي الحقوق. كما أن هذه الأراضي غير مشمولة بالتحقيظ العقاري الشيئ الذي يعرض ذوي الخقوق إلى ضياع حقوقهم. كما أن الاستثمار في هذه الأراضي غير مضمون بسبب هشاشة النظام القانوني لهذه الأراضي لأن أصحابها لهم حق الاستفادة وليس حق التملك والبيع وإن كانت تباع بشكل غير قانوني.
وفيما يخص الملك الخاص الذي يمثل 76 % بينت دراسة قامت بها وزارة الفلاحة (1) أن 50 % من الضيعات هي ملكية مشتركة ما بين أشخاص لهم نفس الأصول وحسب تقرير للبنك الدولي (2) فإن هذه النسبة قد ترتفع إلى أكثر من 70 %. وهذا يخفي حقيقة حجم الضيعات ولا يساعد على الاستغلال الأمثل لهذل الأراضي. كما أن نسبة التحفيظ العقاري  بالنسبة للعقارات الفلاحية لا تتعدى 30 ٍٍ% وهذا  لا  يضمن خقوق الملاكين ولا يسمح بالاستفادة من القروض.  

الجدول رقم 2  توزيع الأراضي القابلة للزراعة حسب حجم الضيعات  ومحتلف الأنظمة القانونية
حجم الضيعة (بالهكتار)
عدد الضيعات

المساحة

العدد
النسبة (%متراكمة)
المساحة ( هكتار)
النسبة (%متراكمة)
دون أرض
64000
4,28
0
0
أقل من 1
315300
 25,34
170400
1,95
من 1 إلى 3
446700
   55,18
904700
 12,31
من 3 إلى 5
237700
 71,06
1011100
 23,89
من 5 إلى 10
247800
 87,65
1894700
 45,59
من 10 إلى 20
125800
  96,06
1880500
 67,12
من 20 إلى 50
48000
 99,26
1526300
 84,6
من 50 إلى 100
7800
 99,78
585200
 91,3
أكثر من 100
3200
99,99
759400
100
المجموع
1496500
100
8732300
100
المصدر : الإحصاء الغام للفلاحة 1996

بلغ عدد الاستغلاليات الفلاحية سنة 1996 حوالي 1,5 مليون وحدة والمساحة القابلة للزراعة 8,8 مليون هكتار وحسب النتائج الأولية للإحصاء العام للفلاحة الذي أجري سنة 2016 والذي لم تنشر نتائجه الكاملة لحد الساعة فإن عدد الضيعات سيكون ارتفع إلى 1,8 مليون هكتار والمساحة القابلة للزراعة زادت كذلك ب300 ألف هكتار, وهذا سيؤدي إلى تقليص متوسط المساحة لكل ضيعة  من 6,1 هكتار سنة 1996 إلى 5 هكتارات  الشيئ الذي سيزيد من تأزم اوضاع الفلاحة والفلاحين بصفة عامة. بالإضافة إلى ذلك فإن توزيع هذه الأراضي يعرف تفاوتا كبيرا بين الفلاجين  حيث يملك 55 % منهم 12 % فقط من المساحة القابلة للزراعة وتقل ضيعاتهم عن 3 هكتارات. و في المقابل يملك 4 % ثلث المساحة القابلة للزراعة 
   
 مردودية ضعيفة وعجز غذائي مستمر
يبين الجدول رقم 3إنتاج ومردودية أهم الزراعات بالمغرب. ونظرا لكون الانتاج والمردود مرتبط بالتساقطات، اخترنا ثلاث مواسم متوالية الأول 2013-2014 عرف تساقطات عادية والثاني 2014-2015 كان موسما جد ممطر حيث حطم انتاج الحبوب رقما قياسيا بالنسبة للمغرب, أما الثالث 2015-2016 فكان جافا.

جدول رقم 3:إنتاج ومردود أهم الزرارعات بالمغرب
الزراعة
2014-2013
2015-2014
2016-2015
الانتاج   1000ق
المردود
ق/هكتار

الانتاج   1000ق
المردود
ق/هكتار

الانتاج   1000ق
المردود
ق/هكتار

القمح الصلب
14102
15,6
24069
24,1
8700
10,4
القمح اللين
37057
17,8
56677
24,5
18600
11,8
الشعير
16381
10,3
33970
16,5
6200
5,1
الذرة
974
7,1
923
7,6
1288
9,3
عباد الشمس
274
13,1
524
14,2
302
7,9
الفول السوداني
384
23,9
337
24,3
364
23,7
الشمندر السكري
32086
605,9
36011
663,3
42189
691,9
قصب السكر
2786
352,2
4431
467,9
4369
418,8
المصدر : موقع وزارة المالية على الأنترنيت

يتضح من خلال هذا الجدول أن مردود مختلف الزراعات ضعيف حتى في سنة ممطرة نظرا لما وصلت إليه تقنيات الانتاج في بلادنا, ففي الضيعات المتوفرة على  الشروط المطلوبة من تأطير تقني وعوامل ووسائل الانتاج وتمويل إلخ... يكون المردود مضاعفا مرتين أو ثلاث حسب المزروعات. و بما أن أغلبية الفلاحين لا يتوفرون على مثل  هذه الشروط فإن النتيجة هي ضعف المردود وبالتالي صعف دخل الفلاحين وتكريس الفقر والهشاشة وسطهم والزيادة في الواردات وتعميق العجز الغذائي وضرب السيادة الغذائية لبلادنا كما يبين ذلك الجدول رقم 4 .
جدول رقم 4 : قيمة الواردات والصادرات من المواد الغذائية الفلاحية(*) (بملايين الدراهم)
المواد
الواردات
الصادرات
2015
2016
2017
2015
2016
2017
القمح اللين
8555
12783
8341



السكر
3362
4622
4951



الذرة
4174
3908
4414



الزيوت الغذائية
3764
4266
4958



المواد العلفية
3622
4519
4274



التمر
1071
944
1136



الشاي والقهوة
2868
2878
3174



باقي المواد الغذائية
9461
12361
13721



الطماطم



5296
5032
5630
الخضروات طرية ومجمدة



3541
5064
5081
الحوامض



3813
3559
3730
السكر



777
1695
2127
توت الأرض



1585
1690
2046
فواكه طرية أو يابسة



994
1218
1825
حضر مصيرة



1375
1566
1652
زيوت نباتية



1431
1446
1338
باقي المواد



7367
7410
7567
المجموع
36877
46281
44969
26179
28680
30996
المصدر موقع مكتب الصرف على الأنترنيت-
 (*) دون المنتوجات البحرية

يظهر من خلال هذا الجدول أن معدل الواردات من المواد الغذائية في الثلاث سنوات الأخيرة بلغ 42,7 مليار درهم في حين أن معدل الصادرات في نفس الفترة بلغ 28,6 مليار درهم أي عجز يساوي 14,1 مليار درهم  ونسبة تغطية للواردات بلغت 67 %,
كما أن المواد الغذائية الأساسية للشعب المغربي كالحبوب والسكر والزيت يتم استيراد أغلبية حاجياتنا منها وهذا يرهن السيادة الغذائية للمغرب.

خلاصة
إن سياسة المخزن  الفلاحية والتي تشكل استمرارا للسيايات المتبعة في عهد الحماية هي سياسة طبقية تستفيد منها أقلية من الفلاحين الكبار. فبالإضافة إلى الاستفادة من الأراضي تستفيد هذه الطبقة من الاستثمارات العمومية في مجال السقي ومن الدعم لاقتناء المعدات والعتاد وإنجاز البنايات واستيراد أصناف البقر المحسنة  وكذالك من الإعفاء الضريبي. وفلاحتهم موجهة للتصدير ويستوردون كذلك جل وسائل الانتاج، أما غالبة الفلاحين هم صغار يمارسون فلاحة تقليدية غير منتجة فوق ضيعات صغيرة المساحة  ومقسمة إلى عدة قطع وملكيتها مشتركة بين الورثة. فلاحتهم موجهة أساسا نحو الاستهلاك الذاتي والبعض منها نحو السوق الداخلي ويعيشون أوضاعا مادية واجتماعية متخلفة التي تميز البادية المغربية بصفة عامة
وبسبب عدم تطور القطاعات الأخرى أي الصناعة والخدمات مازال 40 % من السكان يعيشون في البادية و80 % منهم يعيشون من الفلاحة التي لا تستطيع أن تنتج أكثر من 15 % من الناتج الداخلي الخام.
ونظر لكون  دخل هؤلاء المستهلكين يتضرر  في حالة الجفاف بالإضافة إلى قطاعات أخرى تتضرر كذلك بسبب ارتباطها  بالفلاحة كالنقل والصناعات الغذائية إلخ.. فإن قتصاد المغرب كله يتضرر عندما تشح الأمطار.

المراجع :
(1) Ministère de l’Agriculture, du Développement  Rural et des Pêches Maritimes/ Administration du Génie Rural / Direction des Aménagements Fonciers, Atelier sur la Politique Foncière Agricole, Les Structures Foncières Diagnostic et Propositions d’Amélioration, Rabat, 29-30, juin 2000
(2)MARCHÉS FONCIERS POUR LA CROISSANCE ÉCONOMIQUE AU MAROC Volume I – Héritage et Structures Foncières au Maroc
Les contraintes structurelles et institutionnelles à l’émergence d’un marché efficient du foncier au Maroc- Banque Mondiale- mai 2008


دجنبر 2018


تعليقات